لا أدري متى وكيف سكنتني هذه التي تسمى "فلسطين"؟!!؟

Publié le par Mital ZIYADI

              لا أدري متى وكيف سكنتني هذه التي تسمى "فلسطين"؟؟!!

 

 enfant.jpg

 

اعترافات...

 

في المرحلة الابتدائية .. كتبت أولى( أشعاري) التي لا تتجاوز الأربعة أسطر عن فلسطين، وأنا لا أعرف أين تقع على الخريطة بالضبط!..

 

وكنت أغني دائما أغنية لا أدري كيف حفظتها:

"فلسطين نادت فلبوا النداء

إلى الحرب هيوا جيوش الفداء

هلموا بعزم نرد الردى

لسحق الطغاة وسحق العدى

إلى الأمام.. إلى الأمام .."

 

كنت أسمع صوت مارسيل خليفة من مسجلة أخي الأكبر وأنا لا أعلم لماذا يحن لخبز أمه وقهوتها!...

حين تبدأ الأخبار كنت أنتظر أن أسمع شيئا عن هاته المسماة فلسطين، مع أن ما أفهمه كان قليلا..

لكني مع ذلك أحببت فلسطين، وأحببت صوت مارسيل خليفة مكتفية برسم صورة له في خيالي الطفولي..

 

في المرحلة الإعدادية

بدأت قصائدي تصل العشرة أسطر!...

كتبت أول مجموعة قصصية، وسميتها "بين الأنقاض" كانت تحكي القصة الأولى منها التي تحمل نفس الاسم حكاية ثلاثة فدائيين يموت أحدهم، ويستمر صديقيه في السير على دربه، أتذكر أيضا أن صورة الغلاف كانت من رسمي أيضا ... (كنت متعددة المواهب هههههه)  قدمتها لأستاذ اللغة العربية ليقرأها ، أتذكر أنه كان وسيما، وخطه جميل على السبورة ، في اليوم الموالي أعادها لي متسائلا في ريبة، كيف تخيلت أحداث القصة؟ وكيف وصفت مدن ودروب فلسطين؟..هل اكتفيت فقط بما تشاهدينه على التلفاز؟؟؟ (آنذاك لم تكن القنوات الفضائية بهذه الكثرة)، أجبته أني لا أعلم. !..

 

ربما اعتمدت ما كنت أقرأه من القصص والروايات، وما ترسب في ذاكرتي وروحي من أغاني العاشقين ومارسيل خليفة، ومجموعة الميادين، وجورج قرمز، .....

اختلطت الموسيقى مع الكلمات مع الصور.... وزاد حبي لفلسطين، وزاد عشقي لقضية أكبر مني بكثير

عرفت بعدها أين تقع فلسطين على الخارطة....هههه

جمعت قدرا من المال واشتريت أول كوفية فلسطينية..

كان التلاميذ ينظرون لي باستغراب، أما الأساتذة فكانوا يتعاطفون معي، وأحيانا يشفقون علي!..

اشترى لي أبي كتابا للأشعار، وكاد عقلي يطير فرحا عندما وجدت فيه "قصيدة زهرة المدائن" لنزار قباني، الآن أستطيع أن أغني مع فيروز!...

 

في المرحلة الثانوية..

كنا (بصيغة الجمع) أكثر توترا وحماسا وانفعالا... ! لا أدري لماذا بالضبط..

في الجمعيات والمنظمات التي انخرطت فيها لم أكن وحيدة..

كنا مجموعة من الشباب نحلم بتحرير فلسطين، كل فلسطين...نغني الأغاني الحماسية، نستعير أشرطة مارسيل ومجموعة الانتفاضة والشيخ إمام ..و... نكتب الأغاني ونحفظها.. كما نستعير روايات غسان كنفاني ودواوين محمود درويش وغيرهم...

كونا مجموعة غنائية للأغاني الملتزمة، وكنا نحيي أمسيات غنائية شعرية.. (ألم أقل أني متعددة المواهب؟... ههه)

شاركت أيضا في فرق مسرحية للهواة، مسرحياتنا كانت لا تخلو من القضية (الفلسطينية طبعا)

أوقفنا الدراسة أياما مرات عديدة للتظاهر، للاحتفال بذكرى كذا...أوكذا....

في المرحلة الثانوية كنا فلسطينيين أكثر من اللازم، فخرجنا في المظاهرات، وغنينا أناشيد الثورة والانتفاضة، وكانت الكوفية الفلسطينية لا تفارق أعناقنا..

استضفنا في إحدى المنظمات والدي الشهيد محمد الدرة، وخلدنا اسمه  في حديقة للأطفال، كانت تسمى سابقا "حديقة السندباد"، عندما كنا صغارا كنا نترجى آباءنا كل يوم عطلة حتى يأخذونا للعب في أرجائها ومرجوحاتها، عندما كبرنا، وبدأنا نعرف فلسطين والقدس، عندما تعلمنا مشاهدة مرارة القتل أمام أعيننا على شاشات التلفاز.. حين لازمتني الكوابيس، وصورة محمد الدرة يموت طلقة بعد طلقة.. حينها..حولنا اسم هذه الحديقة لحديقة "الشهيد محمد جمال الدرة"

 

استضفنا مرة مجموعة من الفتيان الفلسطينين في مخيم للكشفية هنا بمدينة آسفي، واكتشفت أني أحفظ أكثر منهم من الأغاني الفلسطينية الثورية...

 

أحد الشعراء الزجالين المغاربة حين كان يقرأ أشعاري (التي بدأت تطول أحيانا) قال لي مرة بعطف: أنت تكتبين شعرا حول فلسطين..الفتيات في مثل عمرك يكتبن عن الحب والغرام... نوعي المواضيع...

 

في الجامعة...

انقسم الأصدقاء إلى رفاق وإخوان!!.. وبقيت في الوسط..  رغم انفصالهم إلا أنهم بقوا متفقين على تعليق العلم الفلسطيني في باحة الجامعة وتنظيم الأيام الفلسطينية ...

بقيت فلسطين في قلبي، وحبها يسري في دمائي..

 

ما بعد الجامعة:

بعدما فشلت في الالتحاق بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالعاصمة الرباط (الأسرة أصرت على التحاقي بمركز تكوين الأساتذة، مصداقا للمثل المغربي القائل (حرفة أبوك ليغلبوك) معناه بالفصحى من الأفضل أن تمارس مهنة أبيك ، حتى لا يغلبك الآخرون...؟؟)

في المركز قال لي أحد الأساتذة (الحكماء) مرة:  أنتم أيها الشباب تودون لو أنكم تنفذون حكم الإعدام في جميع الرؤساء العرب!.. .عندما ستكبرون ستتحلون بالحكمة اللازمة أكثر، وستعرفون أنه فقط مجرد حماس فارغ.. (أتساءل الآن إن لم يغير رأيه)

يا بنيتي فلسطين في قلوبنا... لكن ما باليد حيلة...

(أمضيت سنتي التكوين في مجادلة الأساتذة الحكماء، بحثا عمن أضاع فلسطين)

لكن من ضيع فلسطين؟

لو أفسحوا الحدود لنا، لاسترجع هذا الجيل ما ضيع جيلكم أنتم..

يا بنيتي غدا ستكبرين.. وستعرفين أن فلسطين في قلوبنا جميعا

 

ما بعد زواجي... وقع الطلاق بين الفلسطينيين!.. ما بين فتح وحماس..ما بين ضفة وقطاع.. لكن أين فلسطين؟؟

فلسطين في القلب وفي الروح..

ركنت كوفيتي في ركن من دولابي..

 

 

في العمل...

أثناء العدوان على غزة، عدت للبحث عن كوفيتي الفلسطينية، وتطوعت لجمع المساعدات لإرسالها لغزة، و ...لم ألتحق بالعمل ... انتفض مدير المؤسسة.. اعتبر هذا لامسؤولية، سخرته منه؛ الناس تبحث عن الشهادة وأنت تبحث عن يوم عمل..!؟ تأكدت أنه إنسان تافه.. بعد ذلك غيرت مؤسسة العمل ولم أغير موقفي تجاهه...

 

 

هي فلاش باكات بالأبيض والأسود.. تحمل الكثير من نوستالجيا بنكهة الحنين إلى أرض الأقصى..

ومع ذلك... لا أدري متى وكيف سكنتني هذه التي تسمى "فلسطين"

 

Publié dans Histoire

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article