رحلة الحجاج من آسفي

Publié le par assif

رباط الشيخ أبي محمد صالح وركب الحجيج المغربي
الحالة الفكرية  (ضريح الشيخ سيدي محمد صالح بمدبنة آسفي)
عرفت آسفي كمثيلاتها من المدن المغربية، حركة فكرية إبان العهد الموحدي والمريني، اتسمت هذه الحركة بالتنوع: منها ما اتخذ طابع الصوفية ومنها ما اتخذ طابع التعليم العام وهذه ميزة اختص بها آخر ملوك المرينيين العظام كأبي الحسن وأبي عنان.
ومع تتبعنا للخط الفكري بآسفي يبرز اسم الشيخ أبي محمد صالح بن ينصارن المجاري كعلم من أعلام الحركة الفكرية بآسفي لما له من أهمية قصوى في مجال تحديد بعض المفاهيم الدينية بالمنطقة كمسألة الحج الذي أدعي أنه ساقط عن أهل المغرب.
وسنقوم بدراسة ولو مقتضبة عن هذه الشخصية التي لايسعنا التعريف بها من خلال هذه الترجمة لكونه وحده يمثل موضوعا قائما بذاته.
إن قلة المصادر التي تؤرخ لهذه الحقبة تترك فراغات لامناص منها، في انتظار الكشف عن معلومات جديدة. ومن بين أهم المراكز التعليمية في هذا العصر الوسيط الرابع1. ويأتي في طليعتها رباط تيط مدينة أشراف بني امغار، وكذلك مدينة يمومن التي عرفت ازدهارا إلى أواخر العصر الموحدي ثم قرية تافرنت في بلد بني دغوغ فرباط الشيخ أبي محمد صالح بآسفي. واشتهرت إلى جانب تيط وآسفي مدينة أزمور حيث المدرسة المرينية.
إلى جانب تيط والرباط الصالحي كان بالمطنقة رباطات للتربية الصوفية والتعليم. وقد عد ابن قنفذ الطوائف الستة: توجد ثلاثة منها بدكالة: الشعبيون الذين ينتسبون إلى أبي شعيب أيوب المعروف بالسارية دفين أزمور والأمغاريون الذين بتيط وكان رئيسهم عبد الله أمغار معاصر أبي شعيب، والماكريون وهي طائفة أبي محمد صالح ومنهم الدكاليون2
وليست دكالة كباقي مناطق المغرب لكونها تحوي عددا مهما من الرباطات كالتي أشار إليها ابن عبد العظيم الأزموري. وهذه الرباطات سواء التي في تيط، أو في آسفي أو في بلدة "شاكر" ولها ظهائر تدفع للتساؤل عما إذا كانت المنطقة قد شهدت اصطدامات مابين البرغواطيين وأهل هذه الرباطات بقصد الجهاد لكن الظهائر البني يفرنية (أعداء برغواطة) لا تتعدى مجال الاحترام والتقدير ولاتشير قط إلى الجهاد3.
ولم تكن عملية الجهاد ضد برغواطة ممكنة إذ أن عبد العظيم الأزموري ماكان ليسكت عن دور شرفاء تيط الجهادي أوآسفي فوجد فعلا أنهم جاهدوا برغواطة4.
وقد كان التصوف قبل القرن السادس الهجري مطبوعا بالبساطة ولم يكن الصوفية تختلف عن بقية الناس إلا بكثرة العبادة وتلاوة القرآن وسرد المأثور من الأدعية وكانت الأذكار نفسها مقتبسة من الآثار الواردة في القرآن من ذلك بعض "الأحزاب" لا سيما أحزاب الشادلي التي تتألف مطالعها من سلسلة آيات ولم يكن لبس الخرقة والمرقعة صفة لازمة للصوفي المغربي إلا إذا جاء ذلك عفوا عن طريق الزهادة في متع الدنيا، وكانت الرباطات عبارة عن مجامع لقراءة العلم وتلاوة القرآن والجهاد، فإذا طالعت "تشوف" ابن الزيات وجدت أن كثيرا من رجاله "معلمين" أو"مذررين" يعلمون القرآن للصبيان5.
والتصوف المغربي قطعة حية من التصوف الإسلامي لما تركته النظريات الصوفية المغربية من آثار عميقة في الفكرة الصوفية الشرقية6.غير أن الفكرة الصوفية ما لبثت أن تشعبت فتسرب إليها الانحراف والشذوذ بعد القرن الثامن الهجري على إثر انتشار الطرقية واندساس الأدعياء في الزوايا والرباطات.وهذا التدهور بدأ منذ أن أصبح التصوف في متناول العموم تلوكه ألسنتهم في غير هدى ولا اتزان، ولعل خير مثال طريقة أبي محمد صالح دفين آسفي وتلميذ أبي مدين الغوث، لفقد كان إماما ذائع الصيت يرد عليه الصوفية حتى من "مصر" للأخذ عنه وانتشرت طريقته خلال القرن السابع فكثر تلاميذه في الشام وبلاد الكنانة حتى مدحه البوصيري قائلا
قفا على الجرعاء من جانب الغر                           ففيها حبيب لي يهيم به قلبي7
إذن من هو الشيخ أبو محمد صالح؟ وماهي أهم المعالم في حياته؟وكيف أصبح شأن طريقته وأتباعه بعد ذلك؟
الشيخ أبي محمد صالح: يقول المؤرخ المجهول : "لم يكن في المغرب سوى الشيخ الجليل الصوفي المحقق شيخ المشاييخ وقدوة الأولياء وفخر الأتقياء أبي محمد صالح بين ينصارن بن غفيان الماجري نزيل آسفي8.
إذاأصل الشيخ من بني ماجر الذين يقول في حقهم حفيده أبو العباس سيدي أحمد بن ابراهيم بن ابن أحمد بن أبي محمد صالح: جدنا قرشي ونحن من قريش وأما التواتر المستفاض في بلاد المغرب فهو من عشرة بني حي فخذ من أفخاذ بني نصر من قبيل بين ماجر "ويزيدحفيده في التعريفبنسبهم"  نحن من قريش من بني مخزويريد بذلك ...ما ذكره في نسب ماجر لأن بني حي الذين نسبنا إليهم من القبيل المذكور هو حي ابن صبيح بن داود بن علي بن نصر بن ماجر بين يرزق بن أبي عمر بن مغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقطة بن مرة بن كعب بن لؤي فشيخنا رحمه الله قرشي على كل وجه9.وعن تاريخ مولده وبلده يقول حفيده: وأما بلده فهو آسفي المحروسة وهي مسكنه وفي زمانه سورت وأما تاريخ مولده فولد عام خمسين وخمسمائةوتوفي رضي اللهعنه عند صحوة يوم الخميسالخامس والعشرين من ذي الحجة رحمة لله عليه ودفن في رباطه من البلد المذكور10. وما يظهر أن حفيده أهمل ذكر السنة وهي ستمائة وإحدى وثلاثين للهجرة وهذا ما أكده الناصري في كتابه "الاستقصاء" الجزء الثاني.
وعن شيوخه يقول حفيده أنه لزم بن عوف عشرين سنة بالاسكندرية ثم أخذ التصوف عن ابن عربي وعن الغزالي ثم تتلمذ بعد عودته على أبي مدين شعيب دفين قرية العباد بالجزائر وعلى يد كذلك أبي الحسن الحسن على حرزهم وأبي عبد الله أمغار11.
غير أن الأستاذ أحمد بوشرب يلاحظ أن الشيخ أبي محمد صالح لم يأخذ عن الغزالي مباشرة لكون هذا الأخير قد توفي قبل تاريخ ميلاد أبي محمد صالح12.
لقد داع صيت زاوية الشيخ أبي محمد صالح ووصل نفوذها إلى السوس وورزازات إلى حد أن موارد الزاوية كانت كلها من خارج آسفي "مكثت هذه البلدة يعني "آسفي" المحروسة مدة من أربعين سنة ما بعت فيها ولا اشتريت ولا طلبت شيئا ولا تدانيت... حتى كانت كسوتي تأتيني من أرض الشام والحمد لله فهذا كلام ظاهر..13
وورع الشيخ كان كبيرا إلى حد أنه لم يكن عنده مال نظرا لزهده وكان يحب الفقراء حتى أن ابنه كان من بينهم يوم سجن بمراكش لما سجن عبد الله بن صالح ولد الشيخ رحمه الله بحضرة مراكش المحروسة وسجن معه جماعة من الفقراء14.
كما أن الطريقة التي يتبناها عدد كبير من الفقراء قد تراجعوا عنها بعد وفاته15. وهذه الحالة الزهيدة التي كان يعيشها أبو محمد صالح أثرت على حياة عائلته التي يصفهاصاحب المنهاج الواضح "قال... مكثنا مدة من اثني عشر يوما لم يفتح لنا فيها بشيء فاشتد حالنا، حتى كانبعض الأولاد ليحس الرحى... من شدة الجوع16. وهذه الحالة أكدها ابن الزيات في كتابه التشوفحين قالوهو إلى الآن لايفتر عن الاجتهاد والمحافظة...ومن كلامه الفقير ليس له نهاية إلا الموت17.
وكان يتحتت برابطة تامرنوت قبل بناء الرباط18. الذي بناه لاحقا والذي يقول فيه ابن الخطيب "وجئنا إلى رباط الشيخ أبي محمد صالح وهو من المشاهد الحافلة والمآلف الجامعة، فضاؤه رحب مرصوف بحجر الكذان يدور، سقيف نظيف ذو أبواب تفضي إلى زوايا ومدافن وبطوله عن يمين الوالج مسجد الصلاة وتربة الشيخ في بيت عمد سمكه لانقسام عرضه بقائم من الخشب...19
أ) أبو محمد صالح وركب الحجيج –حفدته
من المعروف أن المغرب يبعد عن الحجاز مسافات شاسعة تتخللها مصاعب تجعلمن الحاج يتعذر عليه السير بمفرده، بينما كانت طريق البر محفوفة بالمخاطر وكانت نظيرتها البحرية أكثر لتواجد القراصنة، لذلك سلك الحجاج طريق البر رغم الصعوبات في قوافل كبرى وهذه القوافل قديمة قدم عهد الإسلام بالمغرب.
ورغم هذه الصعوبات التي تجعل من الحج أمرا صعبا فقد كان المغاربة يقومون بأداء هذا الفرض وفي ذلك يقول ابن حوقل "… ولم يزالوا تسموهم هممهم وتثوق نفوسهم إلى ورود الشرق بسعة أخطارهم وفاشي مروأتهم، فيزدادون ظرفا وأدبا ومحتدا وفروسية وعملا في جميع وجوه الفضل وسبل النبل20.أما ابن خلدون فيجعل من حج المغاربة المبكر أحد العوامل التي جعلت المغاربة يأخذون مذهب المالكية" فاقتصروا على الأخذ عن علماء المدينة – وشيخهم- يومئذ وإمامهم مالك وشيوخه من قبله، وتلميذه من بعده…21على أن مسألة الحج التي أثارت جدلا كبيرا حتى صدر في حقها الطرطوشي والمازري وكذلك فقهاء دكالة التي تدعي أن الحج ساقط عن أهل المغرب مؤكدين ما كان قد فتى ابن رشد بأن الحج ساقط عن أهل المغرب لاعتبار عدم وجود الأمن بالطريق22.
وبقيت الأمور تأخذ مأخذ الأشكال إلى أن ظهرت دعوة أبي محمد صالح لتأسيس ركب للحاج المغربي يدعى أول الأمر بالركب الصالحي حيث يسير من مدينة آسفي إلى الحجاز في طريق لاتزال غير مضبوطة، وقد تكون هي التي سلكها العبدري بدءا بحاحة إلى سوس فبلاد القبلة، فصحراء المغرب الشرقية فتلمسان فبجاية حيث بسطها في رحلة23.ولتنظيم مسيرة الحجاج: أسس أبو محمد صالح الرباطات عبر طريقهم حتى مصر والشام وبنى أبناؤه وأصحابه هذه المراكز. ولتنظيم هذه الرحلات سن لها مؤسسها عدة تنظيمات منها نصب مقدمين للحجاج موزعين بين الجهات التي بها مريدوه ولقد كان مقدم الحج بالمغرب زمان حفيد الشيخ أبي محمد صالح الحاج أبي عبد الله محمد بن عيسى: "لما أقدم علينا الشيخ أبو العباس نزل عند الحاج أبي عبد الله محمد بن عيسى وكان مقدم الحجاج ببلدنا24.
وكان الشيخ يلزم الحجاج بالسفر عن طريق البر وحظر ركوب البحر تفاديا لأخطار القرصنة25. ثم أن الشيخ أبي محمد صالح كان يجهز هذه المراكز بالقيمين عليها والذين يقدمون خدمات للحجاج المغاربة في إطار لايخرج عن المهمة المكلفين بها وهذا ما ذكره صاحب كتاب المنهاج الواضح "ولم تزل جملة من تلاميذة أبي محمد صالح رحمه الله مقيمين ببلاد مصر والشام فمن ورد من المغاربة أحد وأراد الإقامة بهما قبل أن يحج فإن كان ذلك لعدم أعانوه وتسببوا له وإن كان لغير ذلك هجروه وزجروه وقطعوه حتى يحج ولم يزل ذلك دأب كلمن قعد بعد للتربية من شرع هذا الطريق ببلاد المغرب26.
وهذه المراكز فهي عديدة كما أشرنا لذلك بحيث بالإضافة إلى التي بمصر والشام تشير المصادر إلى مجموعة أخرى من المراكز من المغرب إلى الحرمين الشريفيـن، مع القيمين عليها أو على شؤون الحجاج27.
وهكذا نستخلص أن دعوة أبي محمد صالح للحج والزيارة حققت هدفها واستمرت معطياتها خلال حياته وبعدها، ثم أخذت تتراجع من أواخر القرن السابع الهجـريومع ذلك عاشت الطريقة وتجسدت عن طريق ركب الحجيج المغربي من بداية القرن الثامن الهجري وقبل ذلك الاعتماد مقدم الركب وظهير تعيينه وإرسال الهدايا للمقيمين على الحرم الشريف والمدينة المنورة.
وهذه الظاهرة التي اضطلع بها شيخ مدينة آسفي أبي محمد صالح مكنت المدينة من ربط صلات ثقافية سواء داخل محيطها الدكالي أو المغربي أو الإسلامي.
وبعد وفاة الشيخ أبو محمد صالح اضطلع بالمهمة ابنه ولده أحمد الذي عين قبله شقيقه عبد الله من طرف أغلبية أتباع أبيه ا

Publié dans Histoire

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article